عمّار بن ياسر: الثبات في الموقف
النشأة:
ولد في مكة ونشأ فيها بين حلفائه بني مخزوم، قدم أباه ياسراً من اليمن إلى مكة مع أخويه مالك والحارث في طلب أخ رابع لهم، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن وأقام ياسر بمكة وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم فزوجه أبو حذيفة أمته سمية بنت خياط فولدت له عماراً وعبد الله ومن هنا صار حليفاً لبني مخزوم". وقيل إن أبا حذيفة أعتقه فكان مولاه..."، وسرى هذا الحلف إلى ولديه عبد الله وعمّار، أما سميّة، فهي مولاة مملوكة لأبي حذيفة.
مع رسول الله:
كانت ولادة عمّار في عام الفيل على نحو التقريب كما يستفاد ذلك من قوله: "كنت ترباً لرسول الله" ولم يكن أحد أقرب سناً إلى النبي(ص) منه.
صاحب عمّار محمداً في شبابه، وكان أميناً على شؤونه الخاصة، ومؤتمن سره، وكان لا يألو جهداً في إرضائه، ووصل به الأمر إلى أن يكون الوسيط في زواجه من السيدة خديجة(ع).
كانت أحاديث النبي وكلماته توقظ الجانب الإيماني في نفس عمّار، ما يلهب في نفسه الشعور بضرورة العمل في سبيل إنقاذ ذلك المجتمع الغارق في بحر الظلام.
وواكب عمّار الرسول(ص) في دعوته منذ اللحظة الأولى التي دعا فيها إلى كلمة لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى الإيمان بالله جلّ وعلا، وإلى التصديق بنبوته.
وقد أسر النبي(ص) بدعوته إلى اثنين هما ألصق الناس به، خديجة وعلي(ع)، ولم يلبث أن أطلع النبي(ص) بعض الخواص من أصحابه الذين يركن لأمانتهم وإخلاصهم ومنهم عمار بن ياسر وصهيب الرومي وغيرهما.
بعد ذلك أمر الله تعالى نبيه بإظهار الأمر، وأن يبدأ بالخاصة من أقاربه وعشيرته إذ خاطبه تعالى بقوله:{وأنذر عشيرتك الأقربين} فاستدعى علياً للقيام بمهمة جمع العشيرة، وكان هذا أول عمل يستعين به الرسول(ص) بابن عمه علي(ع) فجمع هاشم في دار الحارث بن عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً أو يزيدون.
ولكن أبا لهب اتهمه بالسحر وانقسم بنو هاشم بين مؤيد ورافض للدعوة، فطالب فريق بالوقوف إلى جانبه ونصرته ومنهم أبو طالب، وآخر رأى أن يصده عن دعوته وعلى رأسهم أبو لهب... ثم نزلت الآية الكريمة {وأصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين}. فوقف(ص) على الصفا ونادى: واصباحاه. فاجتمعت إليه قريش، فقالوا ما لك؟ قال: "أرأيتم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أما كنتم تصدقوني" قالوا: "بلى"، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: تباً لك: ألهذا دعوتنا وجمعتنا؟ فأنزل الله عز وجل: {تبت يدا أبي لهب وتب...}.
وتنوعت أساليب قريش في صد النبي(ص)، بين الترغيب والترهيب، ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل، فعمدت نهاية الأمر إلى استعمال القوة والعنف منزلة أبشع ألوان، التعذيب النفسي والجسدي باتباع محمد(ص) سيما الضعفاء منهم، "فوثبت" كل قبيلة على من فيها من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، كعمار وأبويه ياسر وسمية، وبلال وحباب بن الأرث، وأبو فكيهة وغيرهم.
ولم يقتصر الأمر على الرجال فقط، بل شمل النساء حتى العواجز منهن، فكانت سمية أم عمّار وهي أول شهيدة سقطت في الإسلام، وزنيّرة، ولبيبة، وكذلك أم عبيس، والنهدية وأضرابهن ممن واجهن المحنة في سبيل الإسلام.
وقد نال عمار من تلك المعاناة الحصة الكبرى والحظ الأوفر، حيث لم يترك المشركون وسيلة من وسائل القهر والتعذيب إلاّ واستعملوها معه، فكانوا يسحبونه على الرمضاء المحرقة مجرداً من ثيابه، ثم يضعون صخرة كبيرة على صدره، فإن يئسوا منه لجأوا إلى تغريقه بالماء بغمس وجهه ورأسه حتى يختنق أو يشرف على الموت، فكان لا يدي بما يقول!.
ويمر سول الله(ص) بتلك الكوكبة من طلائع المسلمين وهم يواجهون المحنة، فيمسح جراحهم ويلملم أحزانهم معزياً ومسلياً وينظر الكل إليه بعين الأمل، فيرون فيه المنقذ، وينظر إليهم(ص) ثم يصافحهم مقوياً من عزائمهم شاداً على أيديهم، ولكن المشهد كان يختلف حينما يمر على عائلة ياسر فينظر إليهم برحمة وشفقة ثم ما يلبث أن يقول: "صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة"، ثم يقبل على عمار فيعزيه ويسليه، ويجهش عمّار بالبكاء وهو يبث إلى رسول الله همومه وأحزانه فيقول: "يا رسول الله، بلغ منّا العذاب كل مبلغ" فيقول(ص): "صبرا يا أبا اليقظان، اللهم لا تعذب أحداً من آل ياسر بالنار".
ولشدة ما عذّب اضطر أخيراً إلى النيل من رسول الله(ص) وهو في حالة غيبوبة أو شبه غيبوبة، قال": شرُّ يا رسول الله، والله ما تركت حتى نلت منك يا رسول الله، وذكرت آلهتهم بخير"، قال: فكيف تجد قلبك"؟ قال: "مطمئن بالإيمان". قال: "فإن عادوا عُدْ". وفي ذلك نزلت الآية الكريمة:{إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}.
الهجرة إلى الحبشة:
واشتدت قريش في محاربة المسلمين أملاً في فتنتهم عن دينهم، وكان ذلك على مرأى ومسمع من رسول الله(ص) فأمرهم بالهجرة إلى الحبشة، لأن "بها ملكاً لا يُظلم أحد عنده، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه".
وهكذا خرج المسلمون قاصدين تلك الأرض مخافة الفتنة وفراراً إلى الله بدينهم، فلاحقتهم قريش ولكن سفينة كانت ترسو على الشاطئ نقلتهم إلى الحبشة وكانوا اثني عشر رجلاً من بينهم عمّار بن ياسر.
مسجد المدينة:
على أثر الاضطهادات التي لحقت بالمسلمين في مكة، شكل الانتقال منها إلى المدينة نقلة نوعية في حركة المسلمين نقلتهم إلى مرحلة الدولة، وكان هذا يفترض وضع الأسس لبناء تلك الدولة، فكان بناء المسجد الخطوة الأولى في هذا المجال، وكان عمار قد شارك في بنائه، وقد بارك الرسول(ص) عمله وجعل ينفض التراب عن رأس عمّار، ويقول:"ويحك يا عمّار تقتلك الفئة الباغية، تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار" وكان يرتجز وفي ذات يوم اشتكى عمّار من علة ألمت به فقال بعض القوم، ليموتن عمّار اليوم، فسمعهم رسول الله(ص) وكان بيده لبنة فنفضها من يده وقال: "ويحك يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية".
وكان عمّار بن ياسر ممن شهد مع رسول الله (ص) بدراً وأبلى فيها بلاء حسناً كما ساهم في حرب "الخندق" وأبلى في ذلك اليوم بلاءً حسناً، بل "وشهد المشاهد كلها مع رسول الله(ص)".
كما أنه شارك في حرب الردة مشاركة فعالة وقد شوهد وهو يحفز المسلمين على القتال من منطلق إيماني ويدعوهم إلى الثبات للفوز بالجنة.
وفي صفين كان عمّار يمثل قطباً من أقطاب تلك الحرب، فكان بالإضافة إلى حملاته يشجع الأبطال ويحثهم على الجد في الحرب وعلى التقدم باللواء محاولاً كسب المعركة في أقرب وقت، وقد جاء في وصف نصر بن مزاحم لبعض مواقفه في هذه الموقعة المهولة "وخرجت الخيول إلى القتال واصطفت بعضها لبعض، وتزاحف الناس، وعلى عمّار درع بيضاء وهو يقول: "أيها الناس، الرواح إلى الجنة، فقاتل القوم قتالاً شديداً لم يسمع السامعون بمثله وكثرت القتلى حتى كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله".
عمّار والخلفاء
موقف عمّار من الخلافة
لقد كان موقف عمّار في هذا المجال متأثراً بخطوات علي(ع) حتى يكاد أن لا يبرم أمراً دون مشورته وأخذ النصيحة منه، ومرد ذلك يرجع إلى أمرين أساسيين، الأول: وصاية النبي(ص) لعلي بالخلافة، وذلك في حديث الموالاة، وغيرها من الأحاديث.
والأمر الثاني: حديثه لعمار عن علي(ع) يقول فيه: "يا عمّار إن علياً لا يردك عن هدى، ولا يدلك على روى! يا عمّار، طاعة علي طاعتي، وطاعتي طاعة الله عز وجل"!
وقد جسد عمّار نظرته إلى المجريات في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ المسلمين، حيث أبعد علي(ع) عن موقعه الطبيعي في المسجد وقال: "يا معشر قريش ويا معشر المسلمين، إن كنتم علمتم، وإلاّ فاعلموا أن أهل بيت نبيّكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدين، وأأمن على المؤمنين، وأحفظ لملّته وأنصح لأمّته، فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم، ويضعف أمركم، ويظهر شتاتكم، وتعظم الفتنة بكم، وتختلفون فيما بينكم، ويطمع فيكم عدوكم، فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم، وعلي(ع) أقرب إلى نبيّكم وهو من بينهم وليكم بعهد الله ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سدّ النبي(ص) أبوابكم التي كانت في المسجد كلها غير بابه، وإيثاره إياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم وقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها، ومن أراد الحكمة فليأتها من أبوابها، وانه مرجعكم جميعاً فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه، وهو مستغن عن كل أحد منكم إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم، فما لكم تحيدون عنه، وتبترون علياً حقه، وتؤثرون الحياة الدنيا في الآخرة... أعطوه ما جعله له الله ولا تولوا عنه مدبرين ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين".
وقد مهد عمّار بعد ذلك في ثلة من الصحابة أن يرجعوا الأمر شورى بين المسلمين ولكنهم لم يفلحوا في ذلك.
من أبي بكر إلى عثمان:
عندما تسلم أبي بكر مقاليد الأمور، وبالرغم من أن بعض الصحابة كانوا يرون الخلافة حقاً لأمير المؤمنين علي(ع)، فإنه لم يمنعهم حقهم، وزيادة على ذلك تراه قد ألحق سلمان الفارسي وأبي ذر بالبدريين في العطاء مع أنهما لم يحضرا بدراً، بل جعلهما من أمناء المسلمين فأرسل سلمان إلى المدائن وأرسل عماراً إلى الكوفة وكتب لأهلها "أما بعد فإني بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً، وهما من النجباء، من أصحاب محمد فاسمعوا لهما واقتدوا بهما".
أما عمر لم تصرفه خصومة هؤلاء عن الاعتداد بسابقتهم وتقدير جهودهم وجهادهم في نصرة الإسلام والنظر إليهم كمثل عليا للفضيلة والحق وللمسلمين.
حتى إذا جاء دور عثمان أساء لهؤلاء الصحابة، وأطلق يد أقاربه، وأخذ بسياسة الشدة والعنف وأساء إليهم لا سيما عمار وأبو ذر، وقد قال رسول الله(ص) في عمار " من عادى عماراً عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله" ولم يراع حقه من رسول الله(ص) وقد قال فيه "عمار جلدة ما بين العين والأنف ومتى تنكأ الجلدة يدمى الأنف".
ومما تعرض له من حوادث ضرب عثمان لعمّار ضرباً موجعاً حتى غشي عليه وحدث له فتق، وقال عمّار بعد إفاقته من إغماءته: "الحمد لله ليس هذا أول يوم أؤذينا فيه في الله"، وكان ذلك على أثر استيلاء عثمان على جواهر وحليّ وما إلى ذلك.
ومن مواقف عمار التي أثارت حفيظة عثمان وداعه لأبي ذر، وموقفه الممانع لبيعة عثمان ودعوته الناس لبيعة الإمام علي(ع)، حيث نادى الناس بعد أن تمت البيعة لعثمان:" يا معشر المسلمين إنا قد كنا وما كنا نستطيع الكلام قلة وذلة فأعزنا الله بدينه، وأكرمنا برسوله، فالحمد لله رب العالمين. يا معشر قريش إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم تحولونه هنا مرة وهنا مرة، ما أنا آمن أن ينزعه الله منكم ويضعه في غيركم كما أنتزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله"!.
وما زاد في الهوة بين عثمان وبين كبار الصحابة أمثال أبي ذر الغفاري وعبد الله بن مسعود، انتهاجه سلطة تعسفية تجاههم، تجلت بالنفي تارة، وبالضرب والإذلال تارة أخرى حتى مات الأول منفياً في الربذة، ومات الثاني مقهوراً بعد أن كسر ضلعه وحُرم عطاءه. وكان لابن ياسر نصيب من سخط الخليفة وغضبه بسبب هذين الصحابيين الجليلين.
كما أن سياسة عثمان لم تقتصر على ما سلف، بل جعل أقاربه يسيطرون على مقدرات الأمة، فتحولت الخلافة إلى ملك كما عبر عن ذلك العقّاد في كتابه عثمان، نظرة عثمان للخلافة بقوله: "فكانت له نظرة للإمامة قاربت أن تكون نظرة إلى الملك، وكان يقول لابن مسعود كلما ألح عليه في المحاسبة، مالك ولبيت مالنا؟! وقال في خطبته الكبرى يرد على من آخذه بهباته الجزيلة: فضل من مالٍ، فلم لا أصنع في الفضل ما أريد؟ فلِمَ كنت إماماَ".
وما قاله اليعقوبي بهذا الصدد، في تاريخه: "ونقم الناس على عثمان بعد ولايته بست سنين، وتكلم فيه من تكلم، وقالوا آثر الأقرباء، وحمى الحمى وبنى الدور واتخذ الضياع والأموال بمال الله والمسلمين...الخ". وكان عثمان يقول ذلك: "هذا مال الله أعطيه من شئت وامنعه عمن شئت، فأرغم الله أنف من رغم".
سياسة انتقامية ضد الصحابة
أدت هذه السياسة الانتقامية إلى مزيد من المعارضة، وبدأ القلق يساور المسلمين من جرائها، فهم يرون الخلافة قد فقدت هيبتها، وأخذت تجنح نحو الملكية وقد تدخل كبار الصحابة بالنصح والإرشاد وللخليفة ولكنه لم يعر هذه النصائح أذناً صاغية بالمسؤولية بل اشتد في الضغط عايهم.
وتصاعدت موجة الغضب ضد الخليفة الذي اعتمد سياسة المماطلة في تنفيذ الوعود، وعمّت الثورة مختلف الأمصار في مصر، الكوفة، البصرة، والتقى زعماء هذه البلاد في المسجد الحرام وتداولوا في سياسة عثمان وعينوا ممن يتكلم باسمهم واتفقوا على أن يعودوا ذلك العام كل إلى بلاده ثم يأتون في العام المقبل إلى عثمان في داره فيستمعوه، فإن اعتذر إليهم، وإلاّ رأوا رأيهم فيه.
وفد الكوفة: بقيادة مالك الأشتر، اعتذر لهم عمّا صدر منه فعادوا إلى بلادهم.
وفد مصر: بقيادة محمد بن أبي بكر، بينما هو عائد إلى بلاده، شكوا في أمر أحد الأشخاص، فقدموا إليه وإذا به يحمل رسالة يأمر فيها عبد الله بن سعد والي مصر بقتل أعضاء الوفد.
فلما قرأ الكتاب فزعوا وغضبوا ورجعوا إلى المدينة، وحاصروا بيت عثمان بعد أن أطلعوا عليه كبار الصحابة كعلي(ع) وطلحة والزبير وسعداً، ولكن عثمان لم يعترف بإرسال الرجل، وبقي الحصار مضروباً حول البيت حتى تمكن هؤلاء أخيراً من دخوله وقتل عثمان.
خلافة الإمام علي(ع)
كان الإمام علي(ع) بالرغم من أحقيته بالخلافة، يرفض البيعة لنفسه، معلناً أنه لا حاجة له في هذا الأمر وأنه سيقف إلى جانب من يختاره الناس، وبقي على موقفه هذا، حتى جاءه قوم من المهاجرين والأنصار وفيهم طلحة والزبير، فرفض بادئ الأمر، ولكنهم كانوا قد أصروا على مبايعته، وقد تمت بيعته شكلاً ومضموناً بأسلوب مغاير لما كانت تتم فيه البيعة من قبل، ويصف الإمام(ع) ذلك المشهد بقوله:" فما راعني إلاّ والناس كعُرف الضبع إليّ، ينثالون علي من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشُقّ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم.."، وقد كان عمّار من أبرز الوجوه التي ناصرت علياً وفي كل المراحل، متسماً في تعاطيه بالجدية والنظرة الواعية للأمور.
بين عمّار وأبي موسى الأشعري:
وكان أبو موسى الأشعري والياً على الكوفة من قبل علي(ع)، ولكنه على ما يبدو كان لا يرغب في الخروج مع علي، فحينما دخل الحسن وعمّار الكوفة وجعلا يستنفران الناس لنصرة الإمام قام أبو موسى ليعارضهم في ذلك، فغضب عمّار بن ياسر منه وأسكته.
في موقعة الجمل:
وفي يوم الجمل حاول عمّار أن يفض النزاع بالوسائل السلمية، فوقف بين الصفين فقال: "أيها الناس، ما أنصفتم نبيكم حين كففتم عقائلكم في الجذور، وأبرزتم عقيلته للسيوف". موضحاً أهداف التحرك المضاد،ولكن القوم رموه بالسهام ورأى أن لا سبيل إلى إيقاف الحرب عندها دعا إليها.
وقد دنا عمّار من عائشة وهي على جمل في هودج، ونادى: إلى ماذا تدعين؟ قالت: إلى الطلب بدم عثمان. فقال: قاتل الله في هذا اليوم الباغي والطالب بغير الحق، ثم قال: أيها لناس، إنكم لتعلمون أيّنا الممالئ في قتل عثمان".
المحنة الكبرى في صفين:
إن حرب الجمل بالرغم من شراستها وما تركت من مآس وآلام في نفوس المسلمين، تبقى المحنة الأمل والأهون بالقياس لما حدث بعدها من حروب، لا سيما حرب صفين التي استهدفت أكبر قوة بشرية وعسكرية ومادية على الساحة الإسلامية في ذلك الوقت، وأمضت فيها نزفاً وتمزيقاً.
وقد كان لعمار في هذه الموقعة موقف ورأي، وكعادته كان يفضل الحلول السلمية، وهذا ما تجلى بقوله: "يا أمير المؤمنين، إن استطعت إلاّ تقيم يوماً واحداً فافعل من قبل استعار نار الفجرة، واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة وادعهم إلى حظهم ورشدهم، فإن قبلوا سعداء وإن أبوا إلاّ حربنا، فوالله إن سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وكرامة منه".